مشرف حسين يكتب: الإنسان يحتاج إلى الروحانية
ما هو دور الذكاء الروحاني في وقت الأزمات السياسية؟
المصريون شعب روحاني جداً، و هذا ما يمكنني قوله بسبب تجربتي الشخصية الأولى أثناء دراستي في أقدم جامعة مسلمة في العالم وهي جامعة الأزهر المرموقة، المصريون بسطاء ومتواضعون ولهم أخلاق حميدة وذكاء روحاني، وقراءتهم للقرآن المجوّد لا مثيل لها، وعلومهم الإسلامية هي الأفضل في العالم وأكتافهم العريضة القوية تستطيع حمل أي شيء يلقيه التاريخ عليها! هذا هو ما يعطيني الأمل وأنا متفائل بأنهم سيستطيعون الخروج من هذه الأزمة بنجاح، وبدون أن أبدو متعالياً أود أن أعلن أن المصريين شعب عظيم لديه ما يكفي من رأس المال الأخلاقي والروحاني ليواجه العجز الاقتصادي والسياسي، إن شاء الله.
ما هو الذكاء الروحاني؟
الذكاء الروحاني هو المعرفة والفهم المطلوبان حتى يكون الإنسان ربانياً، أن يكون رحيماً، كريماً، محباً، مبدعاً، عادلاً، صبوراً، شاكراً، جريئاً، شجاعاً، وإضافة إلى هذه الخصال الرائعة فإنه العلم الذي يشرح علاقة الإنسان بربه والدوافع التي تجعله يحبه ويطيعه بحيث يعيش الإنسان متوافقاً مع الإرادة الإلهية، مما ينشئ شيئاً من الشعور بالله وذكره الدائم ويصبح الإنسان في صحبة الله، ويشعر بقربه سبحانه وحتى أنه يراه عند عبادته، والتعاليم الإسلامية تعطي منهجاً واضحاً لتنمية الذكاء الروحي، وتبين كيفية التقرب من الله بهدف تحقيق رضاه سبحانه والوصول إلى الجنة وأخيراً النظر إلى وجهه الكريم في الآخرة.
ولهذه الأسباب أرى أن المصريين يتمتعون بالذكاء الروحاني:
١.الروحانية هي رحلة إلى مستويات أعمق من المعاني وهدف الحياة وهي ميزة خاصة منحها الله للإنسان فجعلته أكثر من مجرد مخلوق حي يعتمد على الأشياء المادية، فإن ذكر الله الدائم وكثرة الصلوات والدعاء هي علامات جيدة على الروحانية.
٢.الإنسان يعتمد على الله، وكما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت فالإنسان يحتاج إلى الإيمان بالخالق حتى يستطيع أداء وظائفه بشكل صحيح، وقد وصف أحد المغنين تلك الحاجة إلى الله بقوله: «أشعر بفراغ عميق بداخلي» وكثيراً ما يشير الناس إلى: «هوة عميقة جداً» أو يقولون: «هناك جزء مفقود من روحي»، لكن المصريين قليلاً ما يتكلمون عن هذا الفراغ في حياتهم.
٣.جوهر الروحانية هو حاجة الإنسان الأساسية لعلاقات إيجابية مع نفسه وأسرته وخالقه، والمصريون لديهم قيم أسرية قوية ويحبون الله.
٤.هذا التعريف يُخبرنا كيف نُعبّر عن علاقتنا بالله، فهناك أنماط مختلفة من الصلاة والإنشاد والابتهال والقيام بالليل والصوم والعطاء، وهذه ملامح منتشرة في نمط حياة الكثير من المصريين.
٥.الروحانية تعطي القوة الداخلية لمواجهة مشاكل الحياة ومحناتها حيث أنها تُظهر أن داخل الإنسان متعلق تعلق وثيق بخارجه وأن الداخل منعكس على الخارج وأن العالم الروحاني مرتبط بالعالم المادي، وربما يبين هذا سبب نفور الإسلام من الرهبنة، وقطع صلة الإنسان بالدنيا، حيث أن الروحاني لا يمكن أن ينفصل عن الدنيوي، ولهذا فإن الروحانية بالنسبة للمؤمن هي قناة حيوية تسمح للرحمة الإلهية أن تتحرك فينا، ومن خلالنا، فتغير المجتمع من حولنا.
العلاقة بين الروحانية والأزمة السياسية الحالية
التعاليم الدينية تؤكد على أن سر الحياة السعيدة ليس في كم المقتنيات المادية أو في نظام الحكم السياسي ولكنه بداخلنا، قريب جداً منّا وفي متناول أيدينا، إنه ببساطة في قلوبنا، وقد أشار الفيلسوف المسلم الغزالي (المتوفي عام ١١١١) أن: «القلب لا يستطيع استقبال الرحمة الإلهية إن لم تكن حدود الله مطاعة في سلوك الإنسان الخارجي، فلا يستطيع إنسان أن يبدأ في تنقية قلبه من أمراضه المدمرة إلا بعد الطاعة الخارجية، ولابد للأمراض الأخلاقية مثل التكبر والجشع والحسد والغضب أن تُستبدل بالفضائل مثل التوبة والتواضع والإخلاص وذكر الموت وهذه الفضائل هي التي تؤهل القلب لاستقبال الرحمة الإلهية، ثم كنتيجة للتطهر من صفات الشر والتزين بصفات الرحمة والعفو والصبر يصبح الإنسان قادراً على مواجهة المصائب والمحن في الحياة وقادراً على التعامل معها بكفاءة.»
لست من خبراء الاقتصاد أو السياسة ممن يفهمون جيداً مدى أهمية الصحوة المصرية والعربية لكني أرى بوضوح كيف ستظهر علامات في المستقبل صادرة عن ضغوط الأزمة الحالية، سنرى عدم الاستقرار السياسي وارتفاع في البطالة وصراعات وحسابات قديمة وكل هذه العوامل يمكن أن تنتج عنها تداعيات اجتماعية جادة جداً مثل المشاكل الصحية النفسية والبدنية والتوتر وغياب الأمن المالي مما يمكن أن يتسبب في تفكك الأسر واضطراب المجتمع وارتفاع معدلات الجريمة، هذه هي عواقب روحانية ولا يمكن إلا للروحانية أن تنقذ المجتمع المصري المحاصر، ولعل هذا ما كان يعنيه الفيلسوف كانت عندما قال «الإنسان يحتاج إلى الله»، فالإنسان في حالته من الشقاء وإدانة الذات والشعور بأنه لا قيمة له يفقد قدرته على رؤية الصورة الكلية، وينغلق عالمه عليه حتى يكاد يستهلكه، وهذا الحال يؤدي به إلى الشفقة نحو نفسه والاكتئاب، فيأتي الله هنا لنجدتنا وطمأنتنا وكشف كروبنا! إن إنكار الله هو انشغال العقل البشري عن الله وعدم الرغبة و الفشل في توجيه الانتباه نحو الله، باختصار فإن الروحانية هي سفينة النجاة للمصريين التي ستمنع عنهم الغرق في ظلمات البحر وظلمات الأزمة السياسية التي تتسبب في الشكوك والمخاوف وفقدان الأمل.
…………….
مشرف حسين OBE، DL، هو الرئيس التنفيذي لمعهد كاريميا نوتنجهام بانجلترا ورئيس تحرير "الدعوة" مجلة المجتمع الاسلامي قام بقرأة الدراسات الإسلامية في معهد ديني في باكستان وجامعة الأزهر في القاهرة.و حصل على شهادة البكالوريس و الدكتوراه من جامعة أستون، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة ستافورد شاير.
تعليقات
إرسال تعليق